محمد شكري (1935 - 2003) هو كاتب مغربي يُعتبر من أبرز الأدباء في الأدب العربي الحديث. وُلِدَ شكري في 15 يوليو 1935 في قرية بني شيكر قرب مدينة الناظور في شمال المغرب، وعاش طفولة قاسية في ظل فقر مدقع وعنف أسري دفعه إلى الهروب من المنزل والانخراط في حياة الشوارع في مدينة طنجة.
نشأته وتعليمه
كانت طفولة محمد شكري مضطربة بسبب الفقر والعنف الذي مارسه والده، مما دفعه إلى الهرب من البيت في سن صغيرة. بدأ شكري حياته كمتشرد، وعمل في مهن مختلفة لكسب لقمة العيش، منها العمل في المقاهي والمطاعم. كان لا يعرف القراءة والكتابة حتى سن العشرين، لكنه عزم على تعلمهما عندما أدرك أهمية التعليم في تحسين حياته.
مسيرته الأدبية
بدأت مسيرة محمد شكري الأدبية بعد أن تعلم القراءة والكتابة في سن العشرين. التحق بالمدرسة لأول مرة وهو في العشرينات من عمره، وأكمل تعليمه الأساسي بسرعة كبيرة. بعد ذلك، عمل كمعلم في إحدى المدارس الابتدائية، وخلال هذه الفترة بدأ في كتابة قصص قصيرة ومقالات.
أعماله الأدبية
أهم أعمال محمد شكري هو روايته الشهيرة "الخبز الحافي" التي كتبها بالعامية المغربية وترجمها إلى العربية الكاتب السوري محمد دكروب. تعتبر هذه الرواية سيرة ذاتية للكاتب، وتتناول تفاصيل حياته القاسية في الطفولة والشباب. نُشرت الرواية لأول مرة في عام 1972 باللغة الفرنسية، ثم ترجمت إلى العديد من اللغات بما في ذلك الإنجليزية والإسبانية والألمانية.
الخبز الحافي هو العمل الذي حقق له شهرة واسعة وجعله واحدًا من أبرز الأدباء المغاربة. الكتاب يصف بصدق وبأسلوب صادم حياة الفقر والتشرد والجهل التي عاشها الكاتب، مما أثار جدلاً كبيرًا في المغرب والعالم العربي عند صدوره.
أعماله الأخرى تشمل:
- زمن الأخطاء (1982): وهي جزء من ثلاثية سيرة ذاتية بدأها بـ "الخبز الحافي" وتستكمل في هذه الرواية حياة الكاتب بعد تعلمه القراءة والكتابة واستقراره المهني.
- وجوه (1992): وهي الجزء الثالث من الثلاثية، تستكمل حكاية شكري ونضجه الأدبي والفكري.
- الخيمة (2001): مجموعة قصصية تعكس تجارب حياته المختلفة.
أسلوبه الأدبي
يتميز أسلوب محمد شكري بالواقعية الفجة، حيث لم يتردد في وصف أدق تفاصيل حياته البائسة والمعاناة التي عاشها. استخدم لغة مباشرة وصريحة بعيدًا عن التجميل، مما جعل أعماله مؤثرة وذات صدى كبير بين القراء.
الحياة الشخصية
كانت حياة محمد شكري مليئة بالتحديات، إذ واجه الفقر والعنف منذ نعومة أظافره. ورغم ذلك، تمكن من التغلب على هذه الظروف وتحقيق مكانة مرموقة في الأدب. لم يتزوج شكري ولم يكن له أطفال، وكرس حياته للأدب والكتابة حتى وفاته.
الوفاة
توفي محمد شكري في 15 نوفمبر 2003 في مدينة الرباط بعد صراع مع مرض السرطان. دفن في مدينة طنجة التي كانت مسرحًا لأحداث حياته وأعماله الأدبية.
الإرث الأدبي
ترك محمد شكري إرثًا أدبيًا غنيًا، لا يزال يحظى بالقراءة والدراسة حتى اليوم. تُعتبر أعماله مرآة تعكس الحياة القاسية للفقراء والمهمشين في المغرب، وتجسد تجربة إنسانية فريدة بصدقها وقوتها. بفضل شجاعته الأدبية وجرأته في تناول موضوعات حساسة، يُعتبر شكري من أعلام الأدب المغربي والعربي الحديث.
التأثير والإرث
تُرجمت أعمال محمد شكري إلى العديد من اللغات، مما جعله كاتبًا ذا شهرة عالمية. تعتبر كتاباته مصدر إلهام للعديد من الأدباء والكتاب الذين يسعون لتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والإنسانية من خلال الأدب. كما أن قصة كفاحه الشخصي من الجهل والفقر إلى الشهرة والاعتراف الأدبي تعتبر مصدر إلهام للكثيرين.
الخبز الحافي
وفي رواية "الخبز الحافي" أو سيرة الطفولة وبداية رحلة الوجع والقلق والحزن والخوف والأحلام الممكنة والمستحيلة في آن واحد، واشتهاء الحياة بل اشتهاء عائلة بكل ما للكلمة من معنى، في هذه الرواية جسد شكري البيئة الاجتماعية وتجربة التشرد بالإضافة إلى الانحراف والنساء والخمر، لعلنا أمام رواية الطفولة المفقودة بفعل نزيف التشرد العائلي الذي منعه عنها والده، الذي كان من المفترض أن يكون الأمان لأولاده.
"أضربه وألعنه في خيالي. لولا الخيال لانفجرت"، هذا ما كتبه الشاعر عندما كان يتلقى قسوة والده أو معاملته السيئة مع أمه وأخيه، إذ يفقد الوجود معناه.
في مرحلة لاحقة عندما زار قبر أخيه، اكتشف أن المقبرة هي أفضل مكان للجلوس، إذ يصبح الناس أقل إزعاجًا لبعضهم بعضًا، كما يقول.
في موضع آخر، يكتب شكري عن أخيه:
" أخي صارَ ملاكًا وأنـا.. سأكون شيطانًا، هذا لا ريب فيه
الصغار إذا ماتوا يصيرون ملائكة والكبار شياطين
وفي خضم الجهل والغيرة من أنصاف المتعلمين أصرّ المراهق ذات يوم على تعلم مبادئ القراءة والكتابة فاشترى من المكتبة كتابا لتعليم اللغة العربية. توسط له شقيق صاحبه لدى مدير مدرسة لكي يدرس بها رغم أن عمره قد بلغ عشرين عاما، فكان تعلمه القراءة والكتابة سبيلا إلى تعبيره عن رحلة المراهقة الموغلة في عالم التشرد والضياع.